الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
1067- مالك عن نافع أن ابنة عبيد الله بن عمر وأمها بنت زيد بن الخطاب كانت تحت بن لعبد الله بن عمر فمات ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقا فابتغت أمها صداقها فقال عبد الله بن عمر ليس لها صداق ولو كان لها صداق لم نمسكه ولم نظلمها فأبت أمها أن تقبل ذلك فجعلوا بينهم زيد بن ثابت فقضى أن لا صداق لها ولها ميراث قال أبو عمر اختلف في هذه المسألة الصحابة ومن بعدهم إلا أن أكثر الصحابة على ما قاله بن عمر وزيد بن ثابت وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وبن عباس أيضا وحديث بن عمر وزيد بن ثابت رواه أيوب وبن جريج وعبيد الله وعبد الله ابنا عمر كلهم عن نافع عن بن عمر بمعنى حديث مالك سواء وروى الثوري وغيره عن عطاء بن السائب عن عبد خير عن علي أنه كان يجعل لها الميراث وعليها العدة ولا يجعل لها صداقا وبن جريج وعمرو بن دينار عن عطاء عن بن عباس مثله وبه قال عطاء وجابر بن زيد أبو الشعثاء. وأما بن مسعود فكان يقول لها صداق مثلها ولها الميراث وعليها العدة عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال أتى عبد الله بن مسعود فسئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها ولم يمسها حتى مات فرددهم ثم قال أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني أرى لها صداق امرأة من نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال أشهد لقضيت فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق - امرأة من بني رؤاس وبنو رؤاس حي من بني عامر بن صعصعة وبه يأخذ سفيان الثوري هكذا قال فيه عبد الرزاق معقل بن سنان وقال فيه بن مهدي عن الثوري عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فقال معقل بن يسار شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق بمثل ذلك وذكر إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال معقل بن سنان أشهد لقضيت فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها بروع بنت واشق الأشجعية رواه بن عيينة عن إسماعيل قال أبو عمر الصواب عندي في هذا الخبر قول من قال معقل بن سنان لأن معقل بن سنان رجل من أشجع مشهور في الصحابة. وأما معقل بن يسار فإنه - وإن كان مشهورا أيضا في الصحابة - فإنه رجل من بني مزينة وهذا الحديث إنما جاء في امرأة من أشجع لا من مزينة ومعقل بن سنان قتل يوم الحرة فقال الشاعر في يوم الحرة: ألا تلكم الأنصار تبكي سراتها *** وأشجع تبكي معقل بن سنان وقال مسروق لا يكون ميراث حتى يكون مهر وذكر أبو بكر قال حدثني بن أبي زائدة عن داود عن الشعبي عن علقمة قال جاء رجل إلى بن مسعود فقال إن رجلا منا تزوج امرأة ولم يفرض لها ولم يجمع لها حتى مات فقال بن مسعود ما سئلت عن شيء منذ فارقت النبي صلى الله عليه وسلم أشد علي من هذا اسألوا غيري فترددوا فيها شهرا وقالوا من نسأل وأنتم جلة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بهذا البلد فقال سأقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان أرى لها مهر نسائها لا وكس ولا شطط ولها الميراث وعليها عدة المتوفى عنها زوجها فقال ناس من أشجع نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في امرأة مثل الذي قضي منا يقال لها بروع بن واشق قال فما رأيت بن مسعود فرح بشيء مثلما فرح يومئذ به قال أبو عمر اختلف عن الشعبي في هذا الحديث كما ترى مرة يرويه عن علقمة ومرة يرويه عن مسروق وكذلك اختلفوا فقالوا معقل بن سنان وقالوا معقل بن يسار وقالوا ناس من أشجع وأصحها عندي حديث منصور عن علقمة عن إبراهيم والله أعلم ذكر عبد الرزاق عن معمر عن جعفر بن برقان عن الحكم بن عيينة أن عليا - رضي الله عنه - كان يجعل لها الميراث وعليها العدة ولا يجعل لها صداقا قال الحكم - وقد أخبر بقول بن مسعود - فقال لا تصدق الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبو بكر قال حدثني أبو معاوية عن الشيباني عن عمرو بن مرة عمن أخبره عن علي قال لها الميراث ولا صداق لها قال أبو عمر اختلف التابعون على هذين القولين وأهل الحجاز على قول علي وزيد وبن عمر. وأما اختلاف الفقهاء - أئمة الفتوى فقال مالك والأوزاعي والليث والشافعي في رواية المزني لا مهر لها ولا متعة ولها الميراث وعليها العدة وهو قول بن شهاب. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي والشافعي في رواية البويطي لها مهر مثلها والميراث وعليها عدة الوفاة وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور وداود والطبري وذكر المزني عن الشافعي في المفوض إليه إن مات قبل أن يسمي مهرا إن ثبت حديث بروع ولا حجة في قول أحد مع السنة وإن لم يثبت فلا مهر لها ولها الميراث قال والتفويض إن لم يقل أزوجك بلا مهر فإن قال أتزوجك على ما يثبت فهذا مهر فاسد لها فيه مهر مثلها فإن طلقها في التفويض قبل الدخول فالمتعة وقال بن القاسم من تزوج ولم يسم مهرا جاز ويفرض قبل الدخول فإن لم يفرض حتى طلق فالمتعة فإن مات فلا متعة ولا مهر. 1068- مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته إلى بعض عماله إن كل ما اشترط المنكح من كان أبا أو غيره من حباء أو كرامة فهو للمرأة إن ابتغته قال مالك في المرأة ينكحها أبوها ويشترط في صداقها الحباء يحبى به إن ما كان من شرط يقع به النكاح فهو لابنته إن ابتغته وإن فارقها زوجها قبل أن يدخل بها فلزوجها شطر الحباء الذي وقع به النكاح قال أبو عمر هكذا قال يحيى فلها شرط الحباء في ((الموطإ)) يقول فلها شطر الحباء وهو الصداق وكذا رده بن وضاح وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فقال بن القاسم عن مالك ما في ((الموطإ)) وزاد إن كان الأب اشترط في حين عقد نكاحه حباء يحبى به فهو لابنته وإن أعطاه بعد ما زوجه فإنها تكرمة أكرمه بها فلا شيء لابنته فيه. وقال الشافعي في كتاب المزني إذا عقد النكاح بألف على أن لأبيها ألفا فالمهر فاسد ولو قال على ألف وعلى أن تعطي أباها جاز وله منعه لأنها هبة لم تقبض وقال في كتاب البويطي إذا زوجها على أن لأبيها ألفا سوى الألف الذي فرض لها فسواء قبض الألف أو لم يقبض المهر فاسد ولها مهر مثلها وعند أبي حنيفة هي هبة لا مرجع فيها إلا كما يرجع في الهبة ولم يفرقوا بين الألفاظ ترى أنه جعل ذلك له على غير وجه الهبة فله أن يرجع بها على الأب. وأما الأوزاعي فحدثني خلف بن قاسم قال حدثني عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثني أحمد بن محمد البشري قال حدثني علي بن شرخم قال سمعت عمر بن يونس يقول سمعت الأوزاعي يقول ما كان من شرط في النكاح وقبل النكاح فهو للمرأة وما كان بعد النكاح فهو للولي قال أبو عمر حديث عمر بن عبد العزيز الذي ذكر مالك أنه بلغه قد روي عن عمر من وجوه منها ما ذكره عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أو غيره أن عمر بن عبد العزيز قال أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة إذا كانت عقدة النكاح على ذلك فهو لها من صداقها قال وما كان بعد ذلك من حباء فهو لمن أعطيه وهو قول عروة وسعيد فإن طلقها فلها نصف ما وجب لها عليه غير عقدة النكاح من صداق أو حباء وعن الثوري عن أبي شبرمة أن عمر بن عبد العزيز قضى في ولي امرأة واشترط على زوجها شيئا لتلبسه فقضى عمر أنه من صداقها وعن بن جريج عن عطاء قال ما اشترط في نكاح امرأة من الحباء فهو من صداقها وهي أحق به إن تكلمت فيه من وليها من كان قال وقضى به عمر بن عبد العزيز في امرأة من بني جمح قال أبو عمر قد روي عن عمر من وجه منقطع ضعيف مثل قضية عمر بن عبد العزيز رواه بن سمعان عن سليمان بن حبيب المجادلي أنه بلغه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قضى أن ما اشترط في نكاح امرأة من الحباء فهو من صداقها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ما هو أولى لمن ذهب إليه واعتمد عليه ذكره عبد الرزاق عن بن جريج عن محمد وبن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق من أكرم الرجل عليه ابنته وأخته)) وذكر بن أبي شيبة قال حدثني شريك عن أبي إسحاق أن مسروقا زوج ابنته فاشترط على زوج ابنته عشرة آلاف درهم سوى المهر قال. وحدثني بن علي عن أيوب عن عكرمة قال إن جاز الذي ينكح فهو له قال أيوب وسمعت الزهري يقول للمرأة ما استحل به فرجها قال مالك في الرجل يزوج ابنه صغيرا لا مال له أن الصداق على أبيه إذا كان الغلام يوم تزوج لا مال له وإن كان للغلام مال فالصداق في مال الغلام إلا أن يسمي الأب أن الصداق عليه وذلك النكاح ثابت على الابن إذا كان صغيرا وكان في ولاية أبيه قال أبو عمر لم يختلف مالك وأصحابه في الأب يزوج أبنه الصغير وله مال أن الصداق الذي يسميه أبوه في مال الغلام لا في مال الأب وسواء سكت عن ذلك أو ذكره إلا أن يضمنه الأب وبين ذلك بأن ضمنه وبين ذلك لزمه إذا حمل عن ابنه وجعله على نفسه واختلفوا إذا لم يكن للابن مال فقال بن القاسم إذا لم يكن للابن مال فالصداق على الأب ولا ينفعه أن يجعله على الابن وقال أصبغ أراه على الابن كما جعله وقال بن المواز هو على الأب إلا أن يوضح ذلك ويبينه أنه على الابن فلا يلزم الأب ويكون الابن بالخيار إذا بلغ فإذا دخل لم يكن عليه إلا صداق المثل وقال عيسى بل الصداق المسمى قال أبو عمر لا معنى لصداق المثل ها هنا لأن المسمى معلوم جائز ملكه والصواب ما قاله عيسى - رحمه الله - على اصل مالك فقال سفيان الصداق المسمى وقال الليث إذا زوج ابنه الصغير وضمن عنه المهر فالصداق على الأب دينا في ماله وليس على الابن شيء منه وقال الحسن بن حي إذا زوج ابنه الصغير ولا مال للصغير فالمهر على الأب. وقال الشافعي في البويطي إذا زوج ابنه الصغير وضمن عنه الصداق وغرمه لم يرجع به عليه وليس على الابن منه شيء وإذا جعله الأب على نفسه قال وإن ضمن عن ابنه الكبير المهر رجع به عليه إن كان أمره الكبير بالضمان عنه وإلا لم يرجع عليه بشيء لأنه متطوع. وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا زوج ابنه الصغير وضمن عنه المهر جاز وللمرأة المهر عليه وعلى الابن فإن أداه الأب لم يرجع على الابن بشيء إلا أن يشهد أنه إنما يرديه ليرجع به فيرجع فإن لم يؤده الأب حتى مات فللمرأة أن تأخذه من مال الأب - إن شاءت وإن شاءت اتبعت الابن وإن أخذته من مال الأب رجع ورثة الأب على الابن يخصصهم وقال الثوري نحو ذلك إلا أنه لم يذكر إشهاد الأب عند الدفع أنه يرجع وذكر عبد الرزاق عن الثوري قال لا يؤخذ الأب بصداق ابنه إذا زوجه فمات صغيرا إلا أن يكون الأب كفل بشيء قال مالك في طلاق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وهي بكر فيعفو أبوها عن نصف الصداق إن ذلك جائز لزوجها من أبيها فيما وضع عنه قال مالك وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه (إلا أن يعفون) [البقرة 237]. فهن النساء اللاتي قد دخل بهن - أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح - فهو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته قال مالك وهذا الذي سمعت في ذلك والذي عليه الأمر عندنا وقال في بعض روايات الموطإ)) لا يجوز لأحد أن يعفو عن شيء من الصداق إلا الأب وحده لا وصي ولا غيره. وقال مالك مباراته عليها جائزة وقال الليث بن سعد لأبي البكر أن يضع من صداقها عند عقد نكاحها وإن كان تزوجها بأقل من مهر مثلها وإن كرهت ويجوز ذلك عليها. وأما بعد عقد النكاح فليس له أن يضع شيئا من الصداق قال ولا يجوز له أن يعفو عن شيء من صداقها قبل الدخول ويجوز له مباراة زوجها وهي كارهة إذا كان ذلك نظرا منه لها قال وكما لم يجز أن يضع لزوجها شيئا من صداقها بعد النكاح كذلك ليس له أن يعفو عن نصف صداقها بعد الطلاق. وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وبن شبرمة والأوزاعي الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج وعفوه أن يتم لها كمال المهر بعد الطلاق قبل الدخول قالوا وقوله تعالى (إلا أن يعفون) [البقرة 237]. للبكر والثيب وهو قول الطبري والبكر البالغ عندهم يجوز تصرفها في مالها ما لم يحجر الحاكم عليها كالرجل البالغ سواء ومن حجتهم عموم الآية في قوله تعالى (إلا أن يعفون) [البقرة 237]. فلم يخص بكرا من ثيب في نسق قوله (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون) [البقرة 237]. يعم الأبكار والثيب وقد أجمع المسلمون أن الثيب والبكر في استحقاق نصف المهر بالطلاق قبل الدخول سواء ثم قال تعالى (إلا أن يعفون) [البقرة 237]. فكذلك هو في البكر وغير البكر إلا ما أجمعوا عليه من رفع القلم عنه للصغيرة منهن. وأما قول مالك فقد قال به الزهري قبله ذكره أبو بكر قال حدثني بن علية عن بن جريج وعبد الأعلى عن معمر كلاهما عن الزهري قال الذي بيده عقدة النكاح الأب في ابنته البكر قال أبو عمر أما السيد في أمته فلا خلاف في ذلك لأنه يجتمع فيه من قال العبد يملك ومنهم من قال لا يملك لأنهم لا يختلفون أنه لا يجوز للعبد هبة شيء مما بيده وممن قال أن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي بن عباس على اختلاف عنه ذكر أبو بكر قال حدثني بن علية عن بن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن بن عباس قال رضي الله بالعفو وأمر به فإن عفت جاز وإن أبت وعفا وليها جاز وعبد الرزاق عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن بن عباس مثله وقال عطاء والحسن وطاوس وعلقمة وعكرمة وإبراهيم وبن شهاب الزهري الذي بيده عقدة النكاح الولي. وأما الذين قالوا من السلف أيضا أن الذي بيده عقدة النكاح الزوج علي بن أبي طالب وجبير بن مطعم لم يختلف عنهما في ذلك واختلف عنه بن عباس فروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمرو بن أبي عمار عن بن عباس قال الذي بيده عقدة النكاح الزوج وقال سعيد بن جبير ونافع بن جبير بن مطعم والشعبي ومحمد بن كعب القرظي ومجاهد وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وشريح القاضي وبن سيرين والضحاك بن مزاحم وإياس بن معاوية ونافع مولى بن عمر الذي بيده عقدة النكاح الزوج وهو قول طاوس على اختلاف عنه وقد كان يقول الشافعي بالعراق في هذه المسألة بقول مالك أنه الولي الأب في ابنته البكر والسيد في أمته ثم رجع عنه بمصر ومن حجة من ذهب إلى قول مالك في ذلك أن النصف الأول المذكور لما كان نصف المرأة كان الثاني على ذلك أيضا لأنه قد يشق عليه ولأنه ملك اكتسبه إياها أبوها بالعقد عليها فله التصرف فيه خاصة وليس كذلك سائر مالها ومن حجة من ذهب إلى أنه الزوج لأن عقدة النكاح في الحقيقة إليه على كل حال كان هناك ولي أو لم يكن واستدلوا بالإجماع على أنه ليس للأب أن يهب من مال ابنته البكر أو الثيب وأن مالها كمال غيرها في ذلك سواء ما احتسبته لها ببضعها أو بغير بضعها هو مال من مالها حرام على أبيها أتلافه عليها وأن يأكل شيئا منه إن لم يكن محتاجا إليه إذا لم تطب نفسها به ولم يختلفوا أنه إذا أنكح أمة ابنته واكتسب لها الصداق بذلك أنه ليس له أن يعفو عنه دون إذن سيدتها ابنته فكذلك صداق ابنته البكر وكذلك عند الجميع لو خالع علي ابنه الصغير امرأته بشيء يأخذه له منها لم يكن له أن يهبه فكذلك مهر البكر من بناته وقد اختلفوا أيضا في مسألة من معنى هذا الباب فقال مالك جائز أن يزوج الرجل ابنته الصغيرة على أقل من صداق مثلها إذا كان ذلك نظرا وبه قال أبو حنيفة والليث وزفر وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي لا يجوز أن يزوج ابنته البكر على أقل من صداق مثلها. وقال مالك جائز أن يزوج الرجل ابنه الصغير على أكثر من مهر المثل. وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجوز ذلك له قال مالك في اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني فتسلم قبل أن يدخل بها أنه لا صداق لها قال أبو عمر قوله هذا هو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري وبه قال أحمد وجماعة وإنما لم يجب لها شيء من الصداق لأن الفسخ جاء من قبلها ولم يدخل بها ولو كان هو المسلم بقي على نكاحه معها بإجماع لا خلاف فيه وقد قال قوم من التابعين لها نصف الصداق وإن أسلمت دونه قبل الدخول لأنها فعلت ما لها فعله وهو لما أبى من الإسلام جاء الفسخ من قبله وقد روي عن الثوري مثل ذلك والأول أشهر عنه وهو الأصح - (إن شاء الله تعالى لأنهما تناكحا على دينهما ثم أتى منهما ما يوجب الفراق فلما لم يكن منه مسيس لم يكن لها من الصداق شيء وإن كانت مدخولا بها فلها صداقها بإجماع أيضا فهذا حكم الذميين الكتابيين إذا أسلم أحدهما قبل صاحبه وسيأتي حكم الوثنيين يسلم أحدهما قبل صاحبه في بابه من هذا الكتاب - إن شاء الله عز وجل. 1069- مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة إذا تزوجها الرجل أنه إذا ارخيت الستور فقد وجب الصداق. 1070- مالك عن بن شهاب أن زيد بن ثابت كان يقول إذا دخل الرجل بامرأته فارخيت عليهما الستور فقد وجب الصداق مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول إذا دخل الرجل بالمرأة في بيتها صدق الرجل عليها وإذا دخلت عليه في بيته صدقت عليه قال مالك أرى ذلك في المسيس إذا دخل عليها في بيتها فقالت قد مسني وقال لم أمسها صدق عليها فإن دخلت عليه في بيته فقال لم أمسها صدقت عليه وروى يونس بن عبد الأعلى عن بن وهب عن مالك أنه رجع عن هذا القول وقال إذا خلا بها حيث كان فالقول قول المرأة قال أبو عمر روي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وبن عمر ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت أنهم قالوا إذا أغلق بابا وأرخى سترا وخلا بها فقد وجب الصداق رواه عن عمر المدنيون والكوفيون ورواه منصور وحماد وإبراهيم عن عمر. وأما المدنيون فحدث سعيد عن عمر من رواية مالك وغيره عن يحيى بن سعيد عن سعيد عن عمر ورواه وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن رجلا اختلى امراته في طريق فجعل لها عمر الصداق كاملا. وأما حديث علي فروي من وجوه أحسنها ما رواه قتادة عن الحسن عن الأحنف بن قيس أن عمر وعليا قالا إذا أغلق بابا وأرخى سترا فلها الصداق وعليها العدة رواه سعيد ومعمر وشعبة وهشام عن قتادة وحديث زيد بن ثابت رواه وكيع عن سفيان عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار أن رجلا تزوج امرأة فقال عندها فأرسل لها مروان إلى زيد فقال لها الصداق كاملا فقال مروان أنه ممن لا يتهم فقال له زيد لو جاءت بولد أو ظهر بها حمل أكنت تقيم عليها الحد. وأما بن عمر فذكر أبو بكر قال حدثني ابو خالد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال إذا أجيفت الأبواب وأرخيت الستور وجب الصداق وقال مكحول اتفق عمر ومعاذ في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أغلق الباب وأرخي الستر وجب الصداق وعن بن علية عن عوف عن زرارة بن أوفى قال قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه من أغلق بابا وأرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة وروى بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال دخلت مع أبي مكة فخطبت امرأة فأتيت أبي وهو مع سعيد بن جبير فقال لا تذهب هذه الساعة فإنها ساعة حارة نصف النهار قال فذهبت وخالفته وتزوجتها فقالوا لو دخلت على أهلك فدخلت فأرخيت الستور وأغلقت الباب فنظرت إليها فإذا امرأة قد علتها كبرة فندمت فأتيت أبي فأخبرته فقال لقد خدعك القوم لزمك الصداق قال سفيان وهي من آل الأخنس بن شريق واختلف الفقهاء في الخلوة المذكورة هل توجب المهر أم لا فالذي ذهب إليه مالك وأصحابه أنها توجب المهر إن ادعته المرأة وقالت أنه قد مسني إذا كانت الخلوة خلوة بناء وهو عندهم معنى قول سعيد بن المسيب إذا دخلت عليه في بيته صدقت عليه وكان القول قولها فيما ادعت من مسيسها لأن البيت في البناء بيت الرجل وعليه الإسكان فمعنى قول سعيد في بيته أي دخول ابتنى في بيت مقامها وسكناها ومعنى قوله في بيتها يقول إذا زارها في بيتها عند أهلها أو وجدها ولم يدخل بها دخول بناء ولا اهتداء فادعت أنه مسها وأنكر فالقول قوله لأنه مدعى عليه ومثل هذا من مذهب مالك في الرهن يختلف الراهن والمرتهن فيما عليه من الدين فالقول عنده قول المرتهن لأن الرهن بيده فيصدق فيما بينه وبين قيمته وهو فيما زاد مدع وهذا أصله في المتداعيين أن القول قول من له شبهة قوية كاليد وشبهها وقد روى بن وهب عن مالك على ما تقدم أن القول قولها فيما ادعته من المسيس إذا خلا بها في بيته أو بيتها أو غير ذلك من المواضع وأقر بذلك وجحد المسيس قال مالك فإن اتفق على أن لا مسيس لم توجب الخلوة مع إغلاق الباب وإرخاء الستر شيئا من المهر قال مالك إذا خلا بها فقبلها أو كشفها أو اجتمعا على أنه لم يمسها فلا أرى لها إلا نصف المهر إن كان قريبا وإن تطاول ثم طلقها فلها المهر كاملا إلا أن تحب أن تضع له ما شاءت وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه أنه سئل عن الرجل ينكح المرأة فتمكث عنده الأشهر والسنة يصيب منها ما دون الجماع ثم يطلقها قبل أن يمسها قال لها الصداق كاملا وعليها العدة كاملة. وقال أبو حنيفة وأصحابه الخلوة الصحيحة تمنع سقوط شيء من المهر وتوجب المهر كله بعد الطلاق وطىء أو لم يطأ ادعته أو لم تدعه إلا أن يكون أحدهما محرما أو مريضا أو صائما في رمضان أو كانت المرأة حائضا فإن كانت الخلوة في هذه الحال ثم طلق لم يجب لها إلا نصف المهر ولم يفرقوا بين بينه وبينها ولا دخول بناء ولا غيره إذا صحت الخلوة بإقرارهما أو ببينة وعليها العدة عندهم في جميع هذه الوجوه وقال بن أبي ليلى يجب بالخلوة كمال المهر والعدة حائضا كانت أو صائمة أو محرمة على ظاهر الأحاديث عن الصحابة في إغلاق الباب وإرخاء الستور وهو قول عطاء قال بن جريج عن عطاء إذا أغلق عليها فقد وجب الصداق وإن أصبحت عوراء أو كانت حائضا كذلك بالسنة وقد قال بن شبرمة إن اجتمع على أنه لم يمسها فنصف المهر وقال الثوري لها المهر كاملا إذا خلا بها فإن لم يدخل بها إذا جاء العجز من قبله أو كانت رتقاء فلها نصف الصداق قال سفيان أخبرنا حماد عن إبراهيم قال قال عمر ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلك لها الصداق كاملا وعليها العدة قال أبو عمر هذا عندهم قياس على تسليم السلعة المبيعة إلى المشتري أنه يلزمها ثمنها فنصفها أو لم يقبضها وقال الأوزاعي إذا تزوج فدخل عليها عند أهلها فقبلها أو لمسها ثم طلقها قبل أن يجامعها أنه إن أرخى عليها سترا أو أغلق بابا فقد وجب الصداق وقال إبراهيم إذا اطلع على ما لا يحل لغيره وجب لها الصداق وقال الحسن بن حي إذا دخل بها ولم يجامعها ثم طلقها فلها نصف المهر إذا لم يدخل بها وإن ادعت مع ذلك الدخول فالقول قولها بعد الخلوة وقال الليث إذا أرخى عليها ستارة فقد وجب الصداق وقال النخعي إذا اطلع منها على ما لا يحل لغيره وجب لها الصداق وعليها العدة قال أبو عمر حجة هؤلاء كلهم الآثار عن الصحابة فيمن أغلق بابا أو أرخى سترا أنه قد وجب عليه الصداق. وقال الشافعي إذا خلا بها ولم يجامعها ثم طلق فليس لها إلا نصف الصداق ولا عدة عليها وهو قول أبي ثور وداود وروي ذلك عن بن مسعود وبن عباس ذكر أبو بكر عن بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن حسن بن صالح عن فراس عن الشعبي عن بن مسعود قال لها نصف الصداق وإن جلس بيت رجليها قال. وحدثني فضيل عن ليث عن طاوس عن بن عباس مثله وهو قول شريح والشعبي وطاوس رواه بن جريج ومعمر عن بن طاوس عن أبيه قال إذا لم يجامعها فليس لها إلا نصف الصداق وإن خلا بها وعن جعفر بن سليمان الضبعي عن عطاء بن السائب أنه شهد شريحا قضى في رجل دخل بامرأته فقال لم أصب منها وصدقته بنصف الصداق فعاب الناس ذلك عليه فقال قضيت بكتاب الله عز وجل قال أبو عمر قال الله - عز وجل (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) [البقرة 237]. وقال تعالى (فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) [الأحزاب 49]. فأين المذهب عن كتاب الله تعالى ولم يجتمعوا على أن مراد الله - عز وجل من خطابه هذا غير ظاهر ولا تعرف العرب الخلوة دون وطء مسببا والله أعلم. 1071- مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها ((ليس بك على أهلك هوان (1) إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وبن شئت ثلثت عندك ودرت)) فقالت ثلث قال أبو عمر هذا الحديث ظاهرة الانقطاع وهو مسند متصل صحيح قد سمعه أبو بكر من عبد الرحمن من أم سلمة وقد ذكرنا الطرق بذلك في ((التمهيد)) وأحسنها ما رواه أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الرزاق ويحيى بن سعيد وروح بن عبادة قالوا حدثنا بن جريج قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت أن عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو والقاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أخبراه أنهما سمعا أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أم سلمة - زوج النبي عليه السلام - أخبرته في حديث طويل ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ((إن شئت سبعت لك وإن أسبع لك سبعت لنسائي)). قال أبو عمر أما قوله في هذا الحديث إن سبعت لك سبعت لنسائي فإنه لا يقول به مالك ولا أصحابه وهذا مما تركوه من رواية أهل المدينة لحديث بصري. 1072- مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه كان يقول للبكر سبع وللثيب ثلاث قال مالك وذلك الأمر عندنا قال مالك فإن كانت له امرأة غير التي تزوج فإنه يقسم بينهما بعد أن تمضي أيام التي تزوج بالسواء ولا يحسب على التي تزوج ما أقام عندها قال أبو عمر من قال بحديث هذا الباب يقول إن أقام عند البكر أو الثيب سبعا أقام عند سائر نسائه سبعا سبعا وإن أقام عندها ثلاثا أقام عند كل واحدة ثلاثا ثلاثا فتأولوا في قوله صلى الله عليه وسلم ((وإن شئت ثلثت ودرت أي درت ثلاثا ثلاثا وهو قول الكوفيين وفي هذا الباب عجب لأنه صار فيه أهل الكوفة إلى ما رواه أهل المدينة وصار فيما رواه أهل المدينة إلى ما رواه أهل البصرة. وأما اختلاف الفقهاء وذكر أقوالهم في هذا الباب فقال مالك والشافعي وأصحابهما والطبري يقيم عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا فإن كانت له امرأة أخرى غير الذي تزوج فإنه يقسم بينهما بعد أن تمضي أيام التي تزوج ولا يقيم عندها ثلاثا وقال بن القاسم عن مالك مقامه عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا إذا كان له امرأة أخرى واجب وقال بن عبد الحكم عن مالك ذلك مستحب وليس بواجب وقال الأوزاعي مضت السنة أن يجلس في بيت البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا وإن تزوج بكرا وله امرأة أخرى فإن للبكر ثلاثا ثم يقسم وإن تزوج الثيب وله امرأة كان لها ليلتان وقال سفيان الثوري إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها ليلتين ثم قسم بينهما قال وقد سمعنا حديثا آخر قال يقيم مع البكر سبعا ومع الثيب ثلاثا. وقال أبو حنيفة وأصحابه القسم بينهما سواء البكر والثيب ولا يقيم عند الواحدة إلا كما يقيم عند الأخرى وقال محمد بن الحسن لأن الحرمة لهما سواء ولم يكن رسول الله يؤثر واحدة عن الأخرى واحتج بحديث هذا الباب إن سبعت لك سبعت لنسائي وإن شئت ثلثت ودرت يعني بمثل ذلك واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم ((من كانت له زوجتان ومال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)). قال أبو عمر عن التابعين في هذا الباب من الاختلاف كالذي بين أئمة الفتوى فقهاء الأمصار وما ذهب إليه مالك والشافعي فهو الذي وردت به الآثار المرفوعة وهو الصواب - إن شاء الله عز وجل فمنها ما حدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو قلابة الرقاشي قال حدثني أبو عاصم قال حدثني سفيان الثوري عن أيوب وخالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا)). قال أبو عمر لم يرفع حديث خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس في هذا غير أبي عاصم فيما زعموا وأخطأ فيه. وأما حديث أيوب عن أبي قلابة عن أنس فمرفوع لم يختلفوا في رفعه وقد رواه هشيم عن خالد عن أبي قلابة عن أنس فقال فيه السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ذكره أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة وقوله فيه السنة دليل على رفعه قال أبو داود. وحدثني عثمان قال حدثني هشيم عن حميد عن أنس قال لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية أقام عندها ثلاثا وكانت ثيبا قال أبو عمر لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للبكر سبع وللثيب ثلاث دل على أن ذلك حق من حقوقها فمحال أن يحاسبا بذلك وعند أكثر العلماء ذلك واجب لهما كان عند الرجل زوجة أم لا لقوله صلى الله عليه وسلم ((إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا)) ولم يخص من له زوجة ممن لا زوجة له وقد اختلفوا في المقام المذكور هل هو من حقوق الزوجة على الزوج أو من حقوق الزوج على سائر نسائه فقالت طائفة هو حق للمرأة إن شاءت طالبت به وإن شاءت تركته وقال آخرون هو من حق الزوج إن شاء أقام عندها وإن شاء لم يقم فإن أقام عندها ففيه من الاختلاف ما ذكرنا وإن لم يقم عندها إلا ليلة دار وكذلك إن أقام ثلاثا دار على ما ذكرنا من اختلاف الفقهاء فالقول عندي أولى باختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك حق لقوله (( للبكر سبع وللثيب ثلاث)) وقوله ((من تزوج بكرا أقام عندها سبعا وعند الثيب ثلاثا)) وبالله تعالى التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل. 1073- مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب سئل عن المرأة تشترط على زوجها أنه لا يخرج بها من بلدها فقال سعيد بن المسيب يخرج بها إن شاء قال مالك فالأمر عندنا أنه إذا شرط الرجل للمرأة وإن كان ذلك عند عقدة النكاح أن لا أنكح عليك ولا أتسرى إن ذلك ليس بشيء إلا أن يكون في ذلك يمين بطلاق أو عتاقة فيجب ذلك عليه ويلزمه قال أبو عمر قد روي بلاغ مالك هذا متصلا عن سعيد ذكره أبو بكر قال حدثني بن المبارك عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن مسلم بن يسار عن سعيد بن المسيب في الرجل يتزوج المرأة ويشترط لها دارها قال يخرجها إن شاء وروي مثل قول سعيد بن المسيب أن ذلك شرط لا يلزم عن جماعة من السلف فأعلى من روى ذلك عنه علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه ذكره بن أبي شيبة وعبد الرزاق قال حدثني بن عيينة عن بن أبي ليلى عن المنهال عن عباد بن عبد الله عن علي قال رفع إليه رجل تزوج امرأة وشرط لها دارها فقال علي شرط الله قبل شرطهم أو قال قبل شرطها ولم ير لها شيئا قال أبو عمر معنى قوله شرط لها دارها أي شرط لها ألا يخرجها من دارها ولا يرحلها عنها ومعنى قول علي - رضي الله عنه شرط الله قبل شرطها يريد قول الله عز وجل (أسكنوهن من حيث سكنتم) [الطلاق 6]. وقال عبد الرزاق أخبرنا محمد بن راشد قال أخبرني عبد الكريم - أبو أمية - قال سألت أربعة الحسن وعبد الرحمن بن أذينة وإياس بن معاوية وهشام بن هبيرة عن رجل تزوج امرأة وشرط لها دارها فقالوا ليس شرطها بشيء ويخرج بها إن شاء وذكر أبو بكر قال حدثني هشيم عن يونس عن الحسن وعن مغيرة عن إبراهيم قالا يخرجها إن شاء وقال الشعبي يذهب بها حيث شاء والشرط باطل وقال محمد بن سيرين لا شرط لها وقال طاوس ليس الشرط بشيء ذكره أبو بكر قال حدثني أبو أسامة عن حبيب بن حوي سمع طاوسا يقوله وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سأل طاوسا قال قلت المرأة تشترط عند عقد النكاح إني عند أهلي لا يخرجني من عندهم قال كل امرأة مسلمة اشترطت شرطا على رجل استحل به فرجها فلا يحل له إلا أن يفي به قال أبو عمر هذا أصح عن طاوس وروي مثل ذلك عن جماعة من السلف أعلاهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ورواه إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر عن عبد الرحمن بن غنم سمع عمر يسأل عن رجل تزوج امرأة وشرط لها دارها فقال عمر لها شرطها والمسلمون عند شروطهم ومقاطع الحقوق عند الشروط ورواه بن عيينة عن يزيد بن جابر ورواه وكيع عن سعيد بن عبد العزيز كلاهما عن إسماعيل وروى كثير بن فرقد عن عبيد بن السباق عن عمر بمعناه قال أبو بكر. وحدثني بن عيينة عن عمرو عن أبي الشعثاء قال إذا شرط لها دارها فهو بما استحل من فرجها قال. وحدثني بن علية عن أبي حيان قال حدثني أبو زناد أن امرأة خاصمت زوجها إلى عمر بن عبد العزيز وكان قد شرط لها دارها حين تزوجها ألا يخرجها منها فقضى عمر أن لها دارها لا يخرجها منها وقال والذي نفس عمر بيده لو استحللت فرجها بزنة أحد ذهبا لأخذتك به لها وذكر وكيع عن شريك عن عاصم عن سعيد بن حطان عن مجاهد وسعيد بن جبير قالا يخرجها فقال يحيى بن الجزار فبأي شيء يستحل فرجها فبأي كذا فبأي كذا فرجعا قال أبو عمر ذكر بن القاسم وبن وهب وغيرهما عن مالك إذا اشترط لها ألا يخرج بها فليس بشيء وله أن يخرج بها وكذلك إذا شرط ألا ينكح عليها ولا يتسرى لا يلزمه شيء من ذلك إلا أن يحلف أن يقل ذلك بيمين طلاق أو عتق أو تمليك فتلزمه يمينه تلك وهو قول إبراهيم وروى معمر والثوري عن منصور عن إبراهيم النخعي قال إن شرط في النكاح أن لا ينكح ولا يتسرى فالشرط باطل إلا أن يقول إن فعلت كذا فهي طالق فكذلك يلزمه قال وكل شرط في نكاح فالنكاح يهدمه الطلاق وهو قول عطاء وقال الثوري الأحسن أن يفي لها بشرطها ولا يخرجها وله أن يخرجها إن شاء. وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما إذا تزوجها على شرط ألا يخرجها من بيتها فالنكاح جائز والشرط باطل وكذلك سائر الشروط عندهم في النكاح عليها والتسري فإن كان سمى لها أقل من مهر مثلها ثم لم يف لها أكمل لها مهر مثلها عند الكوفيين. وأما الشافعي فالمهر عنده مع هذه الشروط فاسد ولها مهر مثلها وعند مالك الشرط باطل وليس لها إلا ما سمى لها وقال الأوزاعي وبن شبرمة لها شرطها وعليه أن يفي لها زاد بن شبرمة لأنه شرط لها حلالا وهو قول شريح في رواية وقد روي عن شريح أنه قضى في امرأة شرط لها دارها قال شرط الله قبل شرطها قال أبو عمر احتج من ألزمه الوفاء بما شرط لها في عقد نكاحها ألا يخرجها من دارها ولا يتسرى عليها ولا ينكح ونحو ذلك من الشروط لحديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج ورواه الليث بن سعد وعبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر عن النبي - عليه السلام واحتج من لم ير الشروط شيئا بحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( كل شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل)) ومعنى قوله هنا في كتاب الله أي في حكم الله وحكم رسوله أوفي ما دل عليه الكتاب والسنة فهو باطل والله قد أباح نكاح أربع نسوة من الحرائر وما شاء مما ملكت أيمانكم وأباح له أن يخرج بامرأته حيث شاء وينتقل بها من حيث انتقل وكل شرط يخرج المباح باطل وإن حلف بطلاق ما لم ينكح فقد اختلف السلف والخلف في ذلك وسيأتي القول فيه في موضعه من هذا الكتاب - إن شاء الله عز وجل. 1074- مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير أن رفاعة بن سموال طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي كان طلقها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن تزويجها وقال ((لا تحل لك حتى تذوق العسيلة)). 1075- مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سئلت عن رجل طلق امرأته البتة فتزوجها بعده رجل آخر فطلقها قبل أن يمسها هل يصلح لزوجها الأول أن يتزوجها فقالت عائشة لا حتى يذوق عسيلتها قال أبو عمر حديث المسور بن رفاعة في رواية يحيى وجمهور رواة ((الموطأ)) مرسل ورواه بن وهب عن مالك عن المسور عن الزبير بن عبد الرحمن عن أبيه فوصله وأسنده وتابعه على ذلك عن مالك إبراهيم بن طهمان وهو مسند متصل عن النبي -عليه السلام- من وجوه قد ذكرتها في ((التمهيد)) وحديث يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة موقوفا قد رفعة جماعة عن عائشة منهم عروة وسليمان بن يسار وقد ذكرناهما في ((التمهيد)) ومن أحسنها ما حدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان بن عيينة قال حدثني الزهري قال أخبرني عروة عن عائشة سمعها تقول جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ((أو تريدي أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك)). قالت - وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم وخالد بن سعيد بالباب - فنادى فقال يا أبا بكر ! ألا تسمع إلى ما تجهر به هذه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر حديث عروة عن عائشة عن النبي -عليه السلام- في هذا الباب من رواية هشام بن عروة ورواية بن شهاب حديث ثابت إلا أنه سقط منه ذكر طلاق عبد الرحمن بن الزبير لامرأته تميمة المذكورة فتعلق به قوم شذوا عن سبيل السلف والخلف من العلماء في تأجيل العنين فأبطلوه منهم بن علية وداود وقالوا قد شكت تميمة بنت وهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن زوجها عبد الرحمن بن الزبير ليس معه إلا مثل هدبة الثوب فلم يؤجله ولا حال بينها وبينه قالوا وهو مرض من الأمراض لا قيام للمرأة به فخالفوا جماعة الفقهاء والصحابة برأي متوهم وتركوا النظر المؤدي إلى المعرفة بأن البغية من النكاح الوطء وابتغاء النسل وأن حكمها في ذلك كحكمه لو وجدها رتقاء ولم يقفوا على ما في حديث مالك هذا وغيره بأن المرأة لم تذكر قصة زوجها عبد الرحمن بن الزبير إلا بعد طلاقه وبعد فراقه لها فأي تأجيل يكون ها هنا وفي حديث مالك فلم يستطع أن يمسها ففارقها وقد ذكرنا في ((التمهيد)) من حديث شعبة عن يحيى بن إسحاق عن سليمان بن يسار عن عائشة مرفوعا مثل معنى حديث مالك وإذا صح طلاق عبد الرحمن لزوجه هذه بطلت النكتة التي بها نزع من أبطل تأجيل العنين من هذا الحديث وقد قضى بتأجيل العنين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والمغيرة بن شعبة وسيأتي ذكر هذه المسألة في بابها من كتاب الطلاق - إن شاء الله تعالى والزبير بن عبد الرحمن بن الزبير بالفتح كذلك رواه يحيى وجمهور الرواية للموطأ بالفتح فيهما وقد قيل عن بن بكير الأول منهما بالضم وليس بشيء وهم زبيريون من ولد الزبير بن باطا اليهودي القرظي قتل يوم قريظة وله قصة عجيبة محفوظة مذكورة في ((السير)). 1076- مالك أنه بلغة أن القاسم بن محمد سئل عن رجل طلق امرأته البتة ثم تزوجها بعده رجل آخر فمات عنها قبل أن يمسها هل يحل لزوجها الأول أن يراجعها فقال القاسم بن محمد لا يحل لزوجها الأول أن يراجعها. وأما قول مالك في آخر هذا الباب في المحلل إنه لا يقيم على نكاحه ذلك حتى يستقبل نكاحا جديدا فإن أصابها في ذلك فله مهرها فهذا منه حكم بأن نكاح المحلل فاسد لا يقيم عليه ويفسخ قبل الدخول وبعده وكذلك ما كان فيه مهر المثل إلا المهر المسمى عنده وفي قوله صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة القرظي أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة دليل على ان إرادة المرأة الرجوع إلى زوجها لا يضر العاقد عليها وأنها ليست بذلك في معنى التحليل الموجب لصاحبه اللعنة المذكورة في الحديث وقد اختلف الفقهاء في هذا المعنى على ما نذكره عنهم - إن شاء الله - عز وجل وفيه أن المطلقة ثلاثا لا يحللها لزوجها إلا طلاق زوج قد وطئها وأنه إن لم يطأها لم تحل للأول ومعنى ذوق العسيلة هو الوطء وعلى هذا جماعة العلماء إلا سعيد بن المسيب فإنه قال جائز أن ترجع إلى الأول إذا طلقها الثاني وإن لم يمسها وأظنه لم يبلغه حديث العسيلة وأخذ بظاهر القرآن (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) [البقرة 23]. فإن طلقها - أعني الثاني - فلا جناح عليهما أن يتراجعا وقد طلقها وليس في القرآن ذكر مسيس في هذا الموضع وغابت عنه السنة في ذلك ولذلك لم يعرج على قوله أحد من العلماء بعده وانفرد أيضا الحسن البصري فقال لا تحل للأول حتى يطأها الثاني وطأ فيه إنزال وقال معنى العسيلة الإنزال وخالفه سائر الفقهاء وقالوا التقاء الختانين يحللها لزوجها قال أبو عمر ما يوجب الحد ويفسد الصوم والحج يحل المطلقة ويحصن الزوجين ويوجب كمال الصداق وعلى هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور الفقهاء. وقال مالك وبن القاسم لا يحل المطلقة إلا الوطء المباح فإن وقع الوطء في صوم أو اعتكاف أو حج أو في حيض أو نفاس لم يحل المطلقة ولا يحل الذمية عندهم وطء زوج ذمي لمسلم ولا وطء من لم يكن بالغا. وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري والأوزاعي والحسن بن حي يحلها التقاء الختانين ووطء كل زوج بعد وطئه وطأ وإن لم يحتلم إذا كان مراهقا وليس وطء الطفل عند الجميع بشيء قال الشافعي إذا أصابها بنكاح صحيح وغيب الحشفة في فرجها فقد ذاق العسيلة وسواء في ذلك قوي النكاح وضعيفه قال والصبي الذي يطأ مثله والمراهق والمجنون والخصي الذي قد بقي معه ما يغيبه في الفرج يحلون المطلقة لزوجها قال وتحل الذمية للمسلم بوطء زوج ذمي لها بنكاح صحيح قال وكذلك لو أصابها (محرما أو أصابها حائضا أو محرمة أو صائمة كان عاصيا وأحلها وطؤه قال أبو عمر مذهب الكوفيين والثوري والأوزاعي في هذا كله نحو مذهب الشافعي ونحو مذهب بن الماجشون وطائفة من أهل المدينة من أصحاب مالك وغيرهم واختلفوا في عقدة نكاح المحلل فقال مالك في ((الموطأ)) وغيره إنه لا يحلها إلا نكاح رغبة وأنه إن قصد التحريم لم تحل له وسواء علما أو لم يعلما لا تحل ويفسخ نكاح من قصد إلى التحليل ولا يقر على نكاحه قبل الدخول وبعده وقال الثوري والأوزاعي والليث في ذلك نحو قول مالك وقد روي عن الثوري في نكاح المحلل ونكاح الخيار أنه قال النكاح جائز والشرط باطل وهو قول بن أبي ليلى في نكاح المحلل ونكاح المتعة أبطل الشرط في ذلك وأجاز النكاح وهو قول الأوزاعي أيضا أنه قال في نكاح المحلل بئس ما صنع والنكاح جائز. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف النكاح جائز وله أن يقيم على نكاحه ذلك واختلفوا هل تحل للزوج الأول إذا تزوجها ليحلها فمرة قالوا لا تحل له بهذا النكاح فمرة قالوا تحل له بذلك العقد إذا كان معه وطء أو طلاق وروى الحسن بن زياد عن زيد إذا شرط تحليلها للأول فالنكاح جائز والشرط باطل ويكونان محصنين بهذا التزويج إذا وطىء وقال أبو يوسف النكاح على هذا الشرط فاسد ولها مهر المثل لا يحصنها قال أبو عمر سنذكر ما يقع به الإحصان وما شروطه عند الفقهاء واختلافهم في ذلك في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى. وقال الشافعي إذا تزوجها ليحلها وأظهر ذلك فقال أتزوجك لأحلك ثم لا نكاح بيننا بعد ذلك فهذا ضرب من نكاح المتعة وهو فاسد لا يقر عليه ولا يحل له الوطء على هذا وإن وطىء لم يكن وطؤه تحليلا قال وإن تزوجها تزويجا مطلقا لم يشترط ولا اشترط عليه التحليل إلا أنه نواه وقصده فللشافعي في كتابه القديم العراقي في ذلك قولان أحدهما مثل قول مالك والآخر مثل قول أبي حنيفة ولم يختلف قوله في كتابه ((الجديد)) المصري أن النكاح صحيح إذا لم يشترط التحليل في قوله وهو قول داود وقال إبراهيم النخعي والحسن البصري إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل فسد النكاح وقال سالم والقاسم لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان قال وهو مأجور بذلك وكذلك قال ربيعة ويحيى بن سعيد هو مأجور وقال أبو الزناد إن لم يعلم واحد منهما فلا بأس بالنكاح وترجع إلى زوجها الأول وقال عطاء لا بأس أن يقيم المحلل على نكاحه وقال داود بن علي لا يبعد أن يكون مريد نكاح المطلقة ليحلها لزوجها مأجورا وإذا لم يظهر ذلك في اشتراطه في حين العقد لأنه قصد إرفاق أخيه المسلم وإدخال السرور عليه قال أبو عمر روي عن النبي -عليه السلام- أنه لعن المحلل والمحلل له من حديث علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وعقبة بن عامر وفي حديث عقبة ((ألا أدلكم على التيس المستعار هو المحلل)). قال أبو عمر معلوم أن إرادة المرأة المطلقة للتحليل لا معنى لها إذا لم يجامعها الرجل على ذلك لأن الطلاق ليس بيدها فوجب إلا تقدح إرادتها في عقد النكاح وكذلك المطلق أحرى إلا يراعى لأنه لا مدخل له في إمساك الزوج الثاني ولا في طلاقه إذا خالفه في ذلك فلم تبق الا إرادة الزوج الناكح فإن ظهر ذلك بالشرط علم أنه محلل دخل تحت اللعنة المنصوص عليها في الحديث ولا فائدة للعنة إلا إفساد النكاح والتحذير منه والمنع يكون حينئذ في حكم نكاح المتعة كما قال الشافعي ويكون محللا فيفسد نكاحه وها هنا يكون إجماعا من المشدد والمرخص وهو اليقين - إن شاء الله تعالى وقد روي عن عمر بن الخطاب في نكاح المحلل أنه قال لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما قال الطحاوي ويحتمل أن يكون تشديدا وتغليظا وتحذيرا لئلا يواقع ذلك أحد كنحو ما هم به النبي -عليه السلام- أن يحرق على من تخلف عن صلاة الجماعة بيوتهم وإنما تأولنا هذا على عمر - رضي الله عنه لأنه قد صح عنه أنه درأ الحد عن رجل وطىء غير امرأته وهو يظن أنها امرأته وإذا بطل الحد بالجهالة بطل بالتأويل لأن المتأول عند نفسه مصيب وهو في معنى الجاهل - إن شاء الله عز وجل وكذلك القول في قول بن عمر إذ سئل عن نكاح المحلل فقال لا أعلم ذلك إلا السفاح قال أبو عمر ليس الحدود كالنكاح في هذا لأن الحد ربما درىء بالشبهة والنكاح إذا وقع على غير سنة وطابق النهي فسد لأن الأصل أن الفروج محظورة فلا تستباح إلا - على الوجه المباح لا المحظور المنهي عنه ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له كلعنة آكل الربا وموكله ولا ينعقد بشيء من ذلك ويفسخ أبدا وبالله التوفيق. 1077- مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها)). قال أبو عمر زعم بعض الناس أن هذا الحديث لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث أبي هريرة وقد روي من حديث جابر وأبي سعيد الخدري حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن نمير عن بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن سليمان بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي -عليه السلام- قال لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها)). وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن المبارك عن عاصم عن الشعبي عن جابر عن النبي -عليه السلام- مثله. وأما طرق حديث أبي هريرة فمتوافرة رواه عنه سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبد الرحمن الأعرج وأبو صالح السمان والشعبي وغيرهم وروي أيضا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث مجتمع على صحته وعلى القول بظاهره وبما في معناه فلا يجوز عند الجميع الجمع بين المرأة وعمتها وإن علت ولا بين المرأة وخالتها وإن علت ولا يجوز نكاح المرأة على بنت أختها ولا على بنت أخيها وإن سفلت وهذا في معنى تفسير (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) [النساء 23]. أنها الأم وإن علت والابنة وإن سفلت وكما لا يجوز نكاح المرأة على عمتها كذلك لا يجوز نكاح عمتها عليها وكذلك حكم الخالة مع بنت أختها لأن المعنى الجمع بينهما وهذا كله مجتمع عليه لا خلاف فيه وقد روي مرفوعا من أخبار الأحاد العدول هذا المعنى مكشوفا بما حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن فضيل عن داود عن الشعبي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا تنكح العمة على بنت أخيها ولا الخالة على بنت أختها ولا تتزوج الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى )). قال أبو عمر عند الشعبي في هذا الباب حديثان أحدهما عن جابر والآخر عن أبي هريرة ومن الناس من تعسف فجعله من الاختلاف وفي هذا الحديث زيادة بيان على ما نص عليه القرآن وذلك أن الله - عز وجل - لما قال (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم) إلى قوله (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) [النساء 23]. بأن بذلك ما عدا النساء المذكورات داخلات في التحليل ثم أكد ذلك بقوله عز وجل - (وأحل لكم ما وراء ذلكم) [النساء 24]. فكان هذا من الزمن ما كان ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجمع المرأة مع عمتها وخالتها في عصمة واحدة فكان هذا زيادة بيان على نص القرآن كما ورد المسح على الخفين وليس في القرآن إلا غسل الرجلين أو مسحهما وماسح الخفين ليس بماسح عليهما ولا غاسل لهما وأجمعت الأمة كلها على أن القول بحديث هذا الباب على حسب ما وصفنا فيه فارتفع عن ذلك توهم نسخ القرآن له وأن يكون قوله (وأحل لكم ما وراء ذلكم) نزل بعده فلم يبق إلا أن يكون زيادة بيان كما لو نزل بذلك قرآن قال الله عز وجل (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) [الأحزاب 34]. يعني القرآن والسنة وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أوتيت الكتاب ومثله معه)) وأمر الله - عز وجل - عباده بطاعته والانتهاء إلى ما أمرهم به ونهاهم عنه أمرا مطلقا وأنه أخبرهم أنه يهدي إلى صراط مستقيم صراط الله وحذرهم من مخالفته بالعذاب الأليم فقال عز وجل ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) [النور 63]. وقد تنطعت فرقة فقالوا لم يجمع العلماء على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها لحديث أبي هريرة وإنما أجمعوا على ذلك بمعنى نص القرآن في النهي عن الجمع بين الأختين والمعنى في ذلك إلى الله - عز وجل - نكاح الأخوات فلا يحل لأحد نكاح أخته من أي وجه كانت وحرم الجمع بين الأختين فكان المعنى في ذلك أن كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يحل له نكاح الأخرى لم يحل له الجمع بينهما قال أبو عمر هذه فرقة تنطعت وتكلفت في استخراج علة بمعنى الإجماع وهذا لا معنى له لأن الله - عز وجل - لما حرم على عبادة من أمة نبيه محمد -عليه السلام- اتباع غير سبيل المؤمنين واستحال أن يكون ذلك في غير الاجماع لأن مع الاختلاف كل يتبع سبيل المؤمنين بأن من اتبع غير ما أجمع المؤمنون عليه فقد فارق جماعتهم وخلع الإسلام من عنقه وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا فوضح بهذا كله أن متى صح الإجماع وجب الإتباع ولم يحتج إلى حجة تستخرج برأي لا يجتمع عليه وقد اختلف العلماء في المعنى المراد بقوله -عليه السلام- ((لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها)) فقالت طائفة معناه كراهية القطيعة فلا يجوز لأحد أن يجمع بين امرأتين بينهما قرابة رحم محرمة أو غير محرمة فلم يجيزوا الجمع بين ابنتي عم أو عمة ولا بين ابنتي خال أو خالة روي ذلك عمن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله والحسن بن أبي الحسن وجابر بن زيد وعكرمة وقتادة وعطاء على اختلاف عنه وروى بن عيينة عن بن أبي نجيح عن عطاء أنه كره أن يجمع بين ابنتي العم وعن بن عيينة وبن جريج عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي أنه أخبره أن حسن بن حسين بن علي نكح ابنة محمد بن علي وابنة عمر بن علي جمع بين ابنتي عم فأصبح نساؤهم لا يدرين إلى أيتهما يذهبن قال بن جريج فقلت لعطاء الجمع بين المرأة وابنة عمها قال لا بأس بذلك قال أبو عمر بن جريج اثبت الناس في عطاء لا يقاس به فيه بن أبي نجيح ولا غيره وروى معمر عن قتادة قال لا بأس أن يجمع الرجل بين ابنتي العم قال أبو عمر على هذا القول جمهور العلماء وجماعة الفقهاء - أئمة الفتوى مالك والشافعي - وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق والأوزاعي وغيرهم وقال جماعة منهم إنما يكره الجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يجز له نكاح الأخرى اعتبارا بالأختين وليس ابنة العم من هذا المعنى وروى معتمر بن سليمان عن فضيل بن ميسرة عن أبي حريز عن الشعبي قال كل امرأتين إذا جعلت موضع إحداهما ذكرا لم يجز له أن يتزوج الأخرى فالجمع بينهما حرام قلت له عمن هذا فقال عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وروى الثوري عن بن أبي ليلى عن الشعبي قال لا ينبغي لرجل أن يجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يحل له نكاحها قال سفيان تفسير هذا عندنا أن يكون من النسب ولا تكون بمنزلة امرأة رجل وابنة زوجها فإنه يجمع بينهما إن شاء قال أبو عمر قد اختلف العلماء في جمع الرجل في النكاح بين امرأة رجل وابنته من غيرها فالجمهور على أن ذلك جائز وعليه جماعة الفقهاء بالمدينة ومكة والعراق ومصر والشام إلا بن أبى ليلى من أهل الكوفة وقد تقدمه إلى ذلك الحسن وعلي وعكرمة وخالفهم أكثر الفقهاء لأنه لا نسب بينهما وروي جواز ذلك عن رجلين وقيل لأنه من الصحابة لا مخالف لهم منهم أنهم فعلوا ذلك وروي ذلك عن عبد الله بن جعفر وعن عبد الله بن صفوان مثل ذلك ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو بكر بن عياش عن مغيرة عن قثم أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب جمع بين امرأة علي وابنته من غيرها قال. وحدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب أن سعد بن فرحاء - رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها قال. وحدثني بن علية عن أيوب عن عكرمة بن خالد أن عبد الله بن صفوان بن أمية تزوج امرأة رجل وابنته من غيرها وعن سليمان بن يسار وبن سيرين وربيعة مثله في جواز جمع المرأة وزوجة أبيها وقالت طائفة منهم الحسن وعكرمة لا يجوز لأحد أن يجمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها ذكره بن أبي شيبة عن بن علية عن أيوب عن الحسن ورواه منصور عن هشام عن الحسن وروى شعبة عن فضيل عن بن جريج عن عكرمة مثله واعتلوا بالعلة التي ذكرنا بأن إحداهما لو كان رجلا لم يحل له نكاح الأخرى وقد أبعد من هذا بعض المتأخرين فإن قال الفرق بينهما أنه لو جعل موضع المرأة ذكرا لحل له الأنثى لأنه رجل تزوج ابنة رجل أجنبي وإذا كان موضع البنت بن لم يحل له امرأة أبيه. 1078- مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول ينهى أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها وأن يطأ الرجل وليدة وفي بطنها جنين لغيره قال أبو عمر أما نكاح المرأة على عمتها أو على خالتها فقد مضى القول فيه والحمد لله. وأما قوله وإن وطىء الرجل وليدة وفي بطنها جنين لغيره ومروي عن النبي عليه السلام من حديث رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره)) ومن حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى امرأة حاملا من سبي خيبر قال لعل صاحب هذه أن يلم بها لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره أيورثه وليس منه أو يستعبده وهو قد غذاه في سمعه وبصره وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في غزوة أوطاس ونادى مناديه بذلك لا توطئوا حاملا حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء - قديما ولا حديثا - أنه لا يجوز لأحد أن يطأ امرأة حاملا من غيره بملك يمين ولا نكاح ولا غير حامل حتى يعلم براءة رحمها من ماء غيره واختلفوا فيمن وطىء حاملا من غيره ما حكم ذلك الجنين فذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن لا يعتق ذلك الجنين وقال الأوزاعي والليث يعتق ولكل قول من هذين القولين سلف من التابعين والقول بأن لا يعتق أولى في النظر لأن العقوبات ليست هذه طريقها ولا أصل يوجب عتقه فيسلم له وألزمه يديه حتى يجب فيها الواجب بدليل لا معارض له ولا أصل وبالله التوفيق.
|